النص السماعي في المركبة الفضائية مكتوب
انطلقت بنا المركبة الفضائية، بعد انتهاء العد العكسي...ظل قائد المركبة مشغولا بالتواصل مع القاعدة الأرضية. و بعد ذلك أعلمنا بأننا اجتزنا أجواء الأرض، و تخلصنا من جاذبيتها. حينذاك، بدت لنا المركبة كأنها تدور حول نفسها...تجرأ بعض الركاب، فسأل القائد عن السبب؛ فأجابه:
المركبة تدور فعلا حول نفسها، تماما كما تدور الأرض. ولولا دوران الأرض حول نفسها؛ لحمي شقها المواجه للشمس، و لتجمد شقها الآخر من البرد. و لهذا السبب، صممت مركبات الفضاء؛ لتدور حول نفسها؛ فتعتدل حرارتها...
و قبل موعد نزولنا على سطح القمر، و زع علينا القائد كتيبات فيها نصائح و توجيهات، و رجانا أن نقرأها بإمعان...أما أنا، فقد استفدت من هذا الكتيب أموارا عجيبة؛ منها أن بذلة رواد الفضاء لو تنخرق، فإن شرايين و أوردة من بداخلها ستنفجر؛ لأن الجسم يكون تحت ضغط دخالي، مصدره دقات القلب التي تضخ الدم في العروق...
ثم إنني وجدت الكتيب يوصينا بالحذر من الاحتكاك بأي شيء حاد؛ صيانة للبذلة من الخدش أو التمزق. كما أوصانا بعدم نزع الخوذة عن الرأس؛ لا لتيسير التنفس فحسب؛ بل وقاية من الهلاك و العمى. ذلك بأن الأنسجة الحية تجف حالا لو تظهر عارية في فضاء خال من الهواء.
و من غريب أجهزة البذلة الفضائية، أنها تلبس فوقق قميص ذي غشاءين؛ يتسرب بينهما ماء يعدل حرارة الجسم...حينذاك سألت القائد:
و كيف يحافظ هذا الماء على اعتدال حرارته؟
قال القائد مبتسما:
إن الذي يعمل على تكييف درجة حرارة هذا الماء تبريدا و تدفئة، جهاز كهربائيي صغير موضوع في الجراب المتصل بالبذلة؛ يعمل على تنقية الهواء داخل الخوذة البلورية، و ييسر التنفس...
لا أخفيكم بأن هذه التحذيرات و الوصايا، أدخلت إلى قلبي الخوف؛ غير أن ذلك سرعان ما تلاشى؛ حين عرفت أن عمليات الانطلاق من الأرض، و النزول على سطح القمر، قد ضبطت بدقة عجيبة...
هكذا أشرفت مدة السفر إلى سطح القمر على الانقضاء، فخاطبنا القائد قائلا:
أيتها السيدات، أيها السادة، لقد تجاوزنا المنطقة المتساوية بين جاذبية الأرض و جاذبية القمر، و سنخفض سرعتنا.. و إلى ذلك الحين، أرجوكم التزام الصمت، و عدم التحرك...!!!!
(سندبان الفضاء) للطيب التريكي، دار سراس للنشر، تونس، 1998، ص. 38-33 (بتصرف).