النص السماعي قطرة دم مكتوب

 النص السماعي قطرة دم المستوى السادس

                

كنت أجلس على كرسي ذي مسند عال، و أمامي مكتب قديم في حجرة قديمة قدم المستشفى الذي كنت أشتغل فيه طبيبا.  كنت أتأمل كل شيء من حولي، وكأنني أراه لأول مرة. وفجأة دق جرس الإسعاف، ولهذا الدق عند كل الناس من نزلاء المستشفى معنى، فهو يعني أن إنسانا سيموت أو أن حالته خطيرة جدا تستوجب التدخل السريع. أما بالنسبة إلينا نحن الأطباء فإن دق ذلك الجرس   يحمل في طياته عملا وواجبا إنسانيا.
أدخل رجال الإسعاف المصاب إلى قاعة الإنعاش. كان وجهه يصفر أكثر فأكثر.  وكانت تقاطيعه المفتولة تتراخى تحت وابل من نقط العرق الصغيرة، وهي تتجمع فوق جبهته،  وعلى وجنتيه، كقطرات الندى التي تتجمع على زهرة تذبل، لتسقط وتموت..! تلمست وجهه المبتل، فوجدته باردا برود الثلج..!
رقد الجريح على سرير وحوله اسطوانات الأوكسجين وأجهزة نقل الدم وأوعية الماء الساخن..وساد القاعة صمت رهيب ، لم يكن يقطعه سوى أنين الجريح الذي ظل ينزف وينزف..! أسرعت الطبيبة المختصة في تحاقن الدم  إلى ربط شرايين ذراع المصاب بالكيس الأول من الدم  وهي تردد:
الحمد لله أننا نتوفر على فصيلة دم هذا الرجل المريض، وكل هذا بفضل المتبرعين من سكان المدينة..! قلت وأنا أتتبع دقات قلب الجريح، وضغطه:
بمقدور قطرة واحدة من دم متبرع أن تنقد حياة إنسان..!
وما كادت أخر قطرة من أول لتر تأخذ طريقها إلى قلب المصاب، حتى اختفت تلك الصفرة التي علت وجهه، وخفتت حركات عينيه..لكنه ظل  ينظر إلي وإلى الطبيبة، كالذي يريد أن يتلفظ بكلام لم يستطع أن ينطق بحرف واحد منه.
وفي تلك اللحظة، التي بدأ الخوف يأخذ طريقه إلي، تحركت شفتاه  وتغيرت ملامحه،  ثم استقرت قسمات وجهه على ابتسامة ، كانت أجمل ما رأته عيناي في تلك الليلة.. أحسست بفرحة غامرة اهتز لها قلبي فقلت للطبيبة:
 لقد انقدنا حياة إنسان..!
 ردت علي، وابتسامة عريضة تعلو وجهها:
إنها قطرة الدم التي أنقدته..!
(خمس ساعات) ضمن مجموعة (ارخص الليالي) ليوسف إدريس، ص،65-74 (بتصرف)  

                        تحميل الصورة

النص السماعي قطرة دم مكتوب
مشرف الموقع التربوي

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent